فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فمَنْ يريد أنْ يجادل في الله فليجادل بناء على علم بدهىٍّ أو هدى استدلالي، أو كتاب منير. والكتب المنزلَّة كثيرة، منها صحف إبراهيم وموسى، ومنها زُبُر الأولين، والزبور نزل على سيدنا داود، والتوراة على موسى، والإنجيل على عيسى- عليهم جميعًا السلام- وهذه كلها كتب من عند الله، لكن هل طرأ عليها حالة عدم الإنارة؟
نقول: نعم، لأنها انطمست بشهوات البشر فيها وبأهوائهم التي شوَّهتها وأخرجتها عن الإشراقية والنورانية التي كانت لها، وهذا نتيجة السلطة الزمنية وهي أقسى شيء في تغيير المناهج.
هذه السلطة الزمنية هي التي منعتْ اليهود أن يؤمنوا برسول الله، وهم يعلمون بعثته في بلاد العرب، ويعلمون موعده وأوصافه، وأنه صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل؛ لذلك يقول القرآن عنهم: {يَعْرفُونَهُ كَمَا يَعْرفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} [الأنعام: 20].
ويقول عنهم: {وَإنَّ فَريقًا مّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحق وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146] لذلك، سيدنا عبدالله بن سلام يقول عن سيدنا رسول الله: والله لقد عرفتُه حين رأيته كمعرفتي لابني، ومعرفتي لمحمد أشد.
ويحكي القرآن عن أهل الكتاب أنهم كانوا يستفتحون برسول الله على الكفار فيقولون لهم: لقد أظل زمان نبي جديد نسبقكم إليه، ونقتلكم به قتل عاد وإرم {وَكَانُوا من قَبْلُ يَسْتَفْتحُونَ عَلَى الذين كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا به فَلَعْنَةُ الله عَلَى الكافرين}.
[البقرة: 89].
لماذا؟ لأنهم يعلمون أنه سيسلبهم المكانة التي كانت لهم، والريادة التي أخذوها في العلم والاقتصاد والحرب. إلخ، لقد كانوا يُعدُّون واحدًا منهم ليُنصّبوه ملكًا عليهم في المدينة ليلة هاجر إليها رسول الله، فلما دخلها رسول الله لم تًعُد لأحد مكانة الريادة بعد رسول الله، فرفض هذا الملك الجديد.
إذن: فكل الكتب السماوية لحقها التحريف والتغيير، فلم يضمن لها الحق سبحانه الصيانات التي تحميها كما حمى القرآن، وما ذاك إلا ليظهر شرف النبي الخاتم، فالكتب السابقة للقرآن جاءت كتبَ أحكام، ولم تكن معجزة في ذاتها، فالرسل السابقون كانت لهم معجزات منفصلة عن الكتب وعن المنهج، فموسى عليه السلام معجزته: العصا واليد. إلخ وكتابه ومنهجه التوراة، وعيسى عليه السلام معجزته أنْ يُبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذن الله وكتابه ومنهجه الإنجيل.
أما محمد صلى الله عليه وسلم فمعجزته وكتابه ومنهجه هو القرآن، فهو منهج ومعجزة ستصاحب الزمان إلى أنْ تقوم الساعة؛ لأن رسالته هي الرسالة الخاتمة، فلابد أن يكون كتابه ومعجزته كذلك فنقول: هذا محمد وهذه معجزته.
أما الرسالات السابقة فكانت المعجزة وقتية لمن رآها وعاصرها ولولا أن الله أخبرنا بها ما عرفنا عنها شيئًا، وما صدَّقنا بها، وسبق أنْ شبَّهناها بعود الكبريت الذي يشعل مرة واحدة رآه مَنْ رآه، ثم يصبح خبرًا؛ لذلك لا نستطيع أن نقول مثلًا: هذا موسى عليه السلام وهذه معجزته؛ لأننا لم نَرَ هذه المعجزة.
ولما كانت الكتب السابقة كتبًا تحمل المنهج، وليست معجزة في ذاتها ترك الله تعالى حفظها لأهلها الذين آمنوا بها، وهذا أمر تكليفي عُرْضة لأنْ يُطاع، ولأنْ يُعصَى، فكان منهم أنْ عصوا هذا الأمر فحدث تضبيب في هذه الكتب.
يقول تعالى: {إنَّآ أَنزَلْنَا التوراة فيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بهَا النبيون الذين أَسْلَمُوا للَّذينَ هَادُوا والربانيون والأحبار بمَا استحفظوا من كتَاب الله} [المائدة: 44].
وساعة تسمع الهمزة والسين والتاء، فاعلم أنها للطلب: استحفظتُك كذا يعني: طلبتُ منك حفْظه، مثل: استفهمتُ يعني طلبت الفهم، واستخرجت، واستوضحت. إلخ.
فلما جُرّب الخَلْق في حفظ كلام الخالق فلم يؤدوا، ولم يحفظوا، تكفَّل الله سبحانه بذاته بحفظ القرآن، وقال: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإنَّا لَهُ لَحَافظُونَ} [الحجر: 9].
لذلك ظلَّ القرآن كما نزل لم تَنَلْه يد التحريف أو الزيادة أو النقصان، وصدق الله تعالى حين قال في أول سوره {ذَلكَ الكتاب لاَ رَيْبَ فيه} [البقرة: 2] لا الآن، ولا بعد، ولا إلى قيام الساعة، حتى أن أعداء القرآن أنفسهم قالوا: لا يوجد كتاب مُوثَّق في التاريخ إلا القرآن.
والعجيب في مسألة حفْظ القرآن أن الذي يحفظ شيئًا يحفظه ليكون حجة له، لا حجة عليه، كما تحفظ أنت الكمبيالة التي لك على خصمك، أما الحق- سبحانه وتعالى- فقد ضمن حفْظ القرآن، والقرآن ينبئ بأشياء ستوجد فيما بعد، والحق سبحانه لا يحفظ هذا ويُسجّله على نفسه، إلا إذا ضمن صدْق وتحقُّق ما أخبر به وإلا لما حفظه، إذن: فحفْظ الحق سبحانه للقرآن دليل على أنه لا يطرأ شيء في الكون أبدًا يناقض كلام الله في القرآن:
{وَلَوْ كَانَ منْ عند غَيْر الله لَوَجَدُوا فيه اختلافا كَثيرًا} [النساء: 82].
وسبق أنْ قُلنا: إن القرآن حكم في أشياء مستقبلية للخلق فيها اختيار، فيأتي اختيار الخَلْق وفق ما حكم، مع أنهم كافرون بالقرآن، مكذبون له، ومع ذلك لم يحدث منهم إلا ما أخبر الله به، وكان بإمكانهم أنْ يمتنعوا، لكن هيهات فلا يتم في كون الله إلا ما أراد.
لكن، ماذا نفعل فيمَنْ يجادل في الله بغير علم ولا هُدىً ولا كتاب منير؟ نلفته إلى العلم، وإلى الهدى، وإلى الكتاب المنير.
ندعوهم إلى النظر في الآيات الكونية، وفي البدهيات التي تثبت وجود الخالق عز وجل، ندعوهم إلى الهدى، والاستدلال وإلى النظر في المعجزة التي جاء بها رسول الله، ألم يخبر وهو في شدة الحصارالذي ضربه عليه وعلى آله كفار مكة حتى اضطروهم إلى أكل الميتة وأوراق الشجر. إلخ.
إلم يُخبر القرآن في هذه الأثناء بقوله تعالى: {سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} [القمر: 45] حتى أن سيدنا عمر ليتعجب: أيُّ جمع هذا؟ ونحن غير قادرين على حماية أنفسنا؟ فلما جاء يوم بدر ورأى بعينه ما حاق بالكفار قال: صدق الله {سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} [القمر: 45].
ألم يقل القرآن عن الوليد بن المغيرة {سَنَسمُهُ عَلَى الخرطوم} [القلم: 16] وفعلًا، لم يعرفوا الوليد يوم بدر بين القتلى إلا بضربة على خرطومه. ألم يُشرْ رسول الله قبل المعركة إلى مصارع القوم، فيقول وهو يشير إلى مكان بعينه: هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان، ثم تأتي المعركة ويُقتل هؤلاء في نفس الأماكن التي أشار إليها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والحق سبحانه أعطانا في القرآن أشياء تدل على أنه كتاب يُنوّر لنا الماضي، ويُنوّر لنا الحاضر والمستقبل. وسبق أنْ قُلْنا: إن الغيب دونه حجب الزمان، أو حجب المكان، فما سبقك من أحداث يحجبها عنك حجاب الزمان الماضي، وما سيحدث في المستقبل يحجبه عنك حجاب الزمان المستقبل، أما الحاضر الذي تعيشه فيحجبه عنك المكان، بل وقد تكون في نفس المكان وتجلس معي، لكنك لا تعرف ما في صدري مثلًا.
وكل هذه الحجب خرقها الحق سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم، فمثلًا في غزوة مؤتة لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشه إليها، وبقي هو في المدينة قال: حين وزَّع القيادة: يحمل الراية فلان، فإذا قُتل يحملها فلان، فإذا قُتل يحملها فلان وسمَّى هؤلاء الثلاثة، ثم قال: فإذا قُتل الثالث فاختاروا من بينكم مَنْ يحملها.
وجلس النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه في المدينة، وأخذ يصف لهم المعركة وصفًا تفصيليًا، فلما عاد الجيش من مؤتة وجدوا واقع المعركة وفق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة.
وقد نبهتنا هذه المسألة إلى السر في تسمية مؤتة غزوة وكانوا لا يقولون غزوة إلا للتي شهدها رسول الله بنفسه، أما التي لا يخرج فيها فتسمّى سرية فلما أخبر صلى الله عليه وسلم بما يدور في المعركة مع بُعد المسافات اعتبرها المسلمون غزوة.
بل وأبلغ من ذلك، فالحق سبحانه كسف لرسوله صلى الله عليه وسلم ما يدور في نفوس قومه: {وَيَقُولُونَ في أَنفُسهمْ لَوْلاَ يُعَذّبُنَا الله بمَا نَقُولُ} [المجادلة: 8].
هذه كلها من آيات الإنارة في القرآن التي استوعبتْ الماضي والحاضر والمستقبل.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَإذَا قيلَ لَهُمُ اتبعوا}.
كلمة {مَآ أَنزَلَ الله} [لقمان: 21] عامة تشمل كل الكتب المنزَّلة، وأقرب شيء في معناها أن نقول: اتبعوا ما أنزل الله على رسلكم الذين آمنتم بهم، ولو فعلتم ذلك لَسلَّمتم بصدق رسول الله وأقررتم برسالته.
أو: يكون المعنى {اتبعوا مَآ أَنزَلَ الله} [لقمان: 21] أي: تصحيحًا للأوضاع، واعرضوه على عقولكم وتأملوه.
لكن يأتي ردهم: بَلْ وبل تفيد إضرابهم عما أنزل الله: {نَتَّبعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْه آبَاءَنَا} [لقمان: 21] وفي آية أخرى {قَالُوا بَلْ نَتَّبعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْه آبَاءَنَآ} [البقرة: 170].
فما الفرق بين {وجدنا} و{ألفينا} وهما بمعنى واحد؟ قالوا: لأن أعمار المخاطبين مختلفة في صُحْبة آبائهم والتأثر بهم، فبعضهم عاش مع آبائه يُقلّدهم فترة قصيرة، وبعضهم عاصر الآباء فترة طويلة حتى أَلف ما هم عليه وعشقه؛ لذلك قال القرآن مرة {أَلْفيْنَا} ومرة {وَجَدَنْا}.
والاختلاف الثاني نلحظه في اختلاف تذييل الآيتين، فمرة يقول: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ} [البقرة: 170] ومرة أخرى يقول: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ} [المائدة: 104].
فما الفرق بين: يعقلون ويعلمون؟
الذي يعقل هو الذي يستطيع بعقله أنْ يستنبط الأشياء، فإذا لم يكن لديه العقل الاستنباطي عرف المسألة ممَّنْ يستنبطها، وعليه فالعلم أوسع دائرة من العقل؛ لأن العقل يعلم ما عقله، أما العلم فيعلم ما عقله هو ما عقله غيره، فقوله: {يَعْلَمُونَ} تشمل أيضًا {يَعْقلوُن}.
إذن: إذا نُفي العقل لا يُنفي العلم؛ لأن غيرك يستنبط لك فالرجل الريفي البسيط يستطيع أن يدير التلفزيون مثلًا ويستفيد به ويتجول بين قنواته، وهو لا يعرف شيئًا عن طبيعة عمل هذا الجهاز الذي بين يديه، إنما تعلَّمه من الذي يعلمه، فالإنسان يعلم ما يعقله بذاته، ويعلم ما يعقله غيره، ويؤديه إليه؛ لذلك فنَفْي العلم دليل على الجهل المطبق الذي لا أملَ معه في إصلاح الحال.
ونلحظ أيضًا أن القرآن يقول هنا: {قَالُوا بَلْ نَتَّبعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْه آبَاءَنَا} [لقمان: 21]، وفي موضع آخر يقول: {قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْه آبَاءَنَآ} [المائدة: 104] فقولهم: نتبع ما وجدنا عليه آباءنا فيه دلالة على إمكانية اتباعهم الحق، فالإنكار هنا بسيط، أما الذين قالوا {حَسْبُنَا} [المائدة: 104] يعني: يكفينا ولا نريد غيره، فهو دلالة على شدة الإنكار؛ لذلك في الأولى نفى عنهم العقل، أما في الأخرى فنفى عنهم العلم، فعَجُز الآيات يأتي مناسبًا لصدرها.
وهنا يقول تعالى في تذييل هذه الآية {أَوَلَوْ كَانَ الشيطان يَدْعُوهُمْ إلى عَذَاب السعير} [لقمان: 21] لأن آباءهم ما ذهبوا إلى ما ذهبوا إليه من عبادة الأصنام والكفر بالله إلا بوسوسة الشيطان، فالشيطان قَدْر مشترك بينهم وبين آبائهم.
وهذا يدلنا على أن منافذ الإغواء مرة تأتي من النفس، ومرة تأتي من الشيطان، وبهما يُطمس نور الإيمان ونور المنهج في نفس المؤمن.
وسبق أنْ بينَّا أنك تستطيع أن تفرق بين المعصية التي تأتيك من قبَل الشيطان، والتي تأتيك من قبَل نفسك، فالشيطان يريدك عاصيًا على أيّ وجه من الوجوه، فإذا تأبيْتَ عليه في ناحية نقلك إلى ناحية أخرى.
أما النفس فتريد معصية بعينها تقف عندها لا تتحول عنها، فالنفس تميل إلى شيء بعينه، ويصعب عليها أنْ تتوبَ منه، ولكل نفس نقطة ضعف أو شهوة تفضلها؛ لذلك بعض الناس لديهم كما قلنا طفاشات للنفوس؛ لأنهم بالممارسة والتجربة يعرفون نقطة الضعف في الإنسان ويصلون إليه من خلالها، فهذا مدخله كذا، وهذا مدخله كذا.
لكن نرى الكثيرين ممن يقعون في المعصية يُلْقون بالتبعة على الشيطان، فيقول الواحد منهم: لقد أغواني الشيطان، ولا يتهم نفسه، وهذا يكذّبه الحديث النبوي في رمضان: «إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنة، وغُلّقت أبواب النار، وصُفّدت الشياطين».
فلو أن المعاصي كلها من قبَل الشيطان ما رأينا معصية في رمضان، ولا ارتكبت فيه جريمة، أما وتقع فيه المعاصي وتُرتكب الجرائم، فلابد أن لها سببًا آخر غير الشيطان؛ لأن الشياطين مُصفَّدة فيه مقيدة. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قول الله تبارك وتعالى: {الم تلْكَ ءايات الكتاب الحكيم} يعني: هذه آيات القرآن المحكم من الباطل.
ويقال: أحكم حلاله وحرامه.
ويقال: محكم لا يرد عليه التناقض {هُدًى} يعني: بيانًا من الضلالة.
ويقال: هاديًا {وَرَحْمَةً} من العذاب {لّلْمُحْسنينَ} الذين يحسنون العمل وهم المؤمنون.
لأن كل مؤمن محسن.
قرأ حمزة: {هُدًى وَرَحْمَةً} بالضم، والباقون بالنصب.
فمن قرأ: بالضم، فعلى الإضمار.
ومعناه: هو هدى ورحمة على معنى تلك هدى ورحمة.
ومن نصب فهو على الحال المعنى تلك آيات في حال الهداية والرحمة.
ثم نعت المحسنين فقال تعالى: {الذين يُقيمُونَ الصلاة} يعني: يقرون بها ويتمونها.
قوله: {وَيُؤْتُونَ الزكواة} يعني: يقرون بها ويؤدونها {وَهُم بالآخرة} يعني: بالبعث الذي فيه جزاء أعمالهم {هُمْ يُوقنُونَ} بأنها كائنة {أولئك} يعني: أهل هذه الصفة {على هُدًى مّن رَّبّهمْ} يعني: بيان من ربهم.
بيّن لهم طريقهم ووفّقهم لذلك {وأولئك هُمُ المفلحون} يعني: الفائزون بالخير.
{وَمنَ الناس مَن يَشْتَرى لَهْوَ الحديث} يعني: من الناس ناس يشترون أباطيل الحديث، وهو النضر بن الحارث كان يخرج إلى أرض فارس تاجرًا، ويشتري من هنالك من أحاديثهم، ويحمله إلى مكة ويقول لهم: إن محمدًا يحدثكم بالأحاديث طرفًا منها، وأنا أحدثكم بالحديث تامًا {ليُضلَّ عَن سَبيل} يعني: يصرف الناس عن دين {الله} عز وجل.
ويقال: يشتري جواري مغنيات.
قال أبو الليث رحمه الله: حدثني الثقة بإسناده عن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَحلُّ بَيْعُ المُغَنّيَات وَلا شرَاؤُهُنَّ وَلا التّجَارَةُ فيهنَّ وَأَكْلُ أثْمَانهنَّ حَرَامٌ».
وفيه أنزل الله عز وجل هذه الآية {وَمنَ الناس مَن يَشْتَرى لَهْوَ الحديث} وروى مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله: {وَمنَ الناس مَن يَشْتَرى لَهْوَ الحديث} قال: شراء المغنية.
ويقال: {لَهْوَ الحديث} هاهنا الشرك.
يعني: يختار الشرك على الإيمان ليضل عن سبيل الله عز وجل.
يعني: ليصرف الناس بذلك عن سبيل الله {بغَيْر علْمٍ} يعني: بغير حجة {وَيَتَّخذَهَا هُزُوًا} يعني: سبيل الله عز وجل، لأن السبيل مؤنث كقوله تعالى: {قُلْ هذه سبيلى أَدْعُو إلى الله على بَصيرَةٍ أَنَا وَمَن اتبعنى وَسُبْحَانَ الله وَمَآ أَنَا منَ المشركين} [يوسف: 108] ويقال: {وَيَتَّخذَهَا هُزُوًا} يعني: آيات القرآن التي ذكر في أول السورة استهزاء بها، حيث جعلها بمنزلة حديث رستم واسفنديار.